ماسك يلاعب الانقسامات الأميركية حزب جديد... بأفق مجهول خضر خروبي الثلاثاء 8 تموز 2025 يرجّح مراقبون للشأن الأميركي أن
ماسك يلاعب الانقسامات الأميركية: حزب جديد... بأفق مجهول
خضر خروبي
الثلاثاء 8 تموز 2025
يرجّح مراقبون للشأن الأميركي أن تكون رهانات ماسك، تنصبّ على إمكانية التأثير في تركيبة الكونغرس (أ ف ب)
في خطوة بدت كمؤشّر إلى وصول العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وحليفه السابق، رائد التكنولوجيا إيلون ماسك، إلى نقطة اللاعودة، جاء إعلان الأخير، السبت الماضي، عزمه تأسيس حزب سياسي ثالث في الولايات المتحدة، أطلق عليه اسم «حزب أميركا». إعلانٌ سبق أن لمّح إليه الشهر الماضي، ضمن موجات متتالية من التراشق السياسي بينه وبين الإدارة الأميركية، مبدياً رغبته في تحسين «تمثيل 80% من الطبقة الوسطى»، وفق تعبيره.
هجوم من ترامب
بدأت القصة بتوجيه المدير التنفيذي لشركة «تسلا»، والرئيس السابق لما يُعرف بـ«هيئة الكفاءة الحكومية» في إدارة ترامب، سؤالاً إلى متابعيه على منصة «إكس» عمّا إذا كانوا راغبين في تأسيس حزب «يمثّل الأغلبية الصامتة التي لم تعد ترى نفسها في الحزبيْن الديمقراطي والجمهوري»، على حدّ قوله، وذلك في إطار استطلاع رأي شارك فيه نحو 1.2 مليون مشارك، ليردّ أكثر من 65% من هؤلاء بالإيجاب.
وعلى الأثر، كتب ماسك منشوراً عبر المنصة نفسها جاء فيه: «اليوم، تمّ تأسيس حزب أميركا ليعيد لكم حريتكم»، معقّباً: «بنسبة اثنين إلى واحد، تريدون حزباً سياسياً جديداً، وستحصلون عليه». ولفت ماسك إلى أن دوافعه إلى القيام بمثل هذه الخطوة تتعلق بـ«إفلاس بلدنا بسبب الهدر والفساد»، في إشارة إلى انزعاجه من إقرار قانون لخفض الضرائب والإنفاق وقّعه البيت الأبيض أخيراً، معتبراً أنّ الأميركيين يعيشون «في كنف نظام الحزب الواحد، وليس في ديمقراطية».
وعلى وقع احتدام معركة «العهد الجمهوري» مع «رجل الأعمال المتمرّد»، والتي بدأت تأخذ أخيراً طابع المواجهة الثنائية بين ترامب وماسك، وسط ميل لصالح الأول في نظر الرأي العام الأميركي بنسبة تصل إلى 28%، على حساب الثاني بنسبة تأييد لا تتجاوز 8%، وفق ما أظهره استطلاع رأي أجرته مؤسسة «يوغوف» في حزيران الماضي، سخر الرئيس الأميركي من إعلان ماسك، واصفاً مقترح حليفه السابق بتأسيس «حزب أميركا»، بـ«السخيف»، معتبراً أن رجل الأعمال الشهير، المتحدّر من أصول جنوب أفريقية، «يمكنه أن يتسلّى بذلك قدر ما يشاء».
وخلال مؤتمر صحافي في نيوجيرسي، قبل صعوده طائرته عائداً إلى واشنطن، الأحد، قال ترامب إنّ «النظام لطالما كان قائماً على حزبين، وأعتقد بأن تأسيس حزب ثالث يزيد فقط من الارتباك»، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة حالياً تحقّق «نجاحاً باهراً مع الجمهوريين».
وفي وقت لاحق من اليوم نفسه، كتب ترامب على حسابه في منصة «تروث سوشال»: «يحزنني أن أرى إيلون ماسك يخرج تماماً عن السيطرة، ليصبح عملياً حطام قطار على مدار الأسابيع الخمسة الماضية». وتابع أنّ فكرة تأسيس حزب ثالث «لم تنجح قط في الولايات المتحدة»، لاعتبارات تتعلق بالنظام الانتخابي، معتبراً أنّ قيامها لا يفضي سوى إلى «الفوضى والاضطراب الكامل والتام»، قبل أن يختم منشوره بعبارة: «لدينا ما يكفي من ذلك مع الديمقراطيين اليساريين المتطرّفين، الذين فقدوا ثقتهم وعقولهم! أما الجمهوريون، فهم آلة تعمل بسلاسة، وقد أقرّوا للتو أكبر مشروع قانون من نوعه في تاريخ بلادنا».
80% ممن يتبنّون مواقف وسطية في المشهد السياسي الأميركي «لا يشكّلون قاعدة انتخابية متماسكة، ذات موقف موحّد»
ومع تأكيد شركة «أزوريا بارتنرز»، التي كانت تعتزم إطلاق صندوق مرتبط بشركة صناعة السيارات «تسلا»، تأجيل خططها في هذا الصدد، وتعليلها قرارها بكون توجّه ماسك لإنشاء الحزب الثالث «يتعارض مع مسؤولياته بالعمل رئيساً تنفيذياً بدوام كامل»، دعا وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، المدير التنفيذي لشركتي «تسلا»، و«سبيس إكس» إلى التركيز على إدارة شركاته، مشيراً إلى أنّ مجلسَي إدارة الشركتين «لم يعجبهما إعلان (تأسيس حزب جديد) وسيشجّعانه على التركيز على أنشطته التجارية وليس السياسية»، علماً أنّ الساعات القليلة الماضية شهدت تهاوي أسهم «تسلا» بأكثر من سبعة في المئة، وهو ما فسّره مراقبون بمخاوف المستثمرين من تشتّت ماسك بين السياسة والاقتصاد، وتبعات تردّي علاقاته مع البيت الأبيض.
من جهته، رأى نائب رئيس موظفي البيت الأبيض للسياسة ومستشار الأمن الداخلي ستيفن ميلر، أن المزاعم التي يردّدها ماسك لتبرير إنشاء حزب أميركي جديد، لا تعدو كونها «وهماً ليبرالياً»، مشيراً إلى أنّ اعتقاد الليبراليين بأن هناك قاعدة سياسية واسعة تدعم أيديولوجيتهم، غير موجود على أرض الواقع، بالنظر إلى ضآلة حظوظهم التمثيلية على المستوى الوطني، وضعف حضورهم في الاستحقاقات الانتخابية داخل الحزبين التقليديين، بخاصة الحزب الجمهوري، على حدّ قوله.
حوافز وتحدّيات في طريق ماسك
وبالحديث عن دوافع مساعي ماسك لتأسيس حزب جديد، وهي مساعٍ شبيهة بجهود رجل الأعمال، الذائع الصيت، والمقرّب من الرئيس الأسبق باراك أوباما، أندرو يانغ، الذي ترشّح مستقلاً للانتخابات الرئاسية في الحزب الديمقراطي عام 2020، قبل أن يطلق حزب «فوروارد بارتي» عام 2021، ينطلق محلّلون مما عرضه رجل الأعمال الأميركي كخطة محتملة لانتزاع «الصوت الحاسم» في التشريعات الرئيسية، حين قال إنّ «إحدى الطرق لتنفيذ هذا الأمر هي التركيز على مقعدين أو ثلاثة فقط في مجلس الشيوخ ومن ثمانٍ إلى عشر مقاطعات في مجلس النواب»، معوّلاً على فقدان ثلثي الناخبين الأميركيين الثقة بالحزبين الرئيسيين، وبمدى قدرتهما على السير بالبلاد نحو «الاتجاه الصحيح».
ومن هذا المنطلق، يرجّح مراقبون للشأن الأميركي أن تكون رهانات ماسك، في ظلّ عدم إعلانه عن أيّ سياسات أو مبادئ أساسية لـ«حزب أميركا»، من جهة، وفي ضوء عدم إمكانية ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة لكونه غير مولود على الأراضي الأميركية، من جهة ثانية، تنصبّ على إمكانية التأثير في تركيبة الكونغرس، وتحديداً من خلال دعم مرشحين في عدد صغير من السباقات الرئيسية في مجلسَي الشيوخ والنواب، كولاية كارولينا الجنوبية.
وبحسب هؤلاء، فإنّ باستطاعة المرشحين المحسوبين على ماسك، حتى في حال عدم فوزهم، كما هو مرجّح، أن يقوّضوا حظوظ منافسيهم الجمهوريين في تلك السباقات، من خلال ما يمكن أن يحصلوا عليه من أصوات القاعدة الناخبة التقليدية المؤيّدة لحزب الرئيس الحالي، ولا سيما أن ماسك قادر على التأثير في الفئات العمرية الشابة، الناشطة سياسياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
وفي هذا الإطار، يلفت مراقبون إلى أنّ ماسك يراهن على معارضة أغلبية الأميركيين لـ«القانون الكبير الجميل» (وفقاً لما أظهرته استطلاعات الرأي)، كـ«استراتيجية حزبية طويلة الأمد»، لتعزيز وجهة نظره في وجه ترامب، منبّهين في الوقت نفسه إلى أنّ العقود الحكومية الضخمة التي حصلت عليها شركاته يمكن أن تقوّض رسالته.
وبخصوص التحديات الماثلة أمامه، أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن من أبرزها العوائق المؤسّسية المتصلة بالنظام الانتخابي الأكثري المعتمد في الولايات المتحدة، وطبيعة الجمهور الأميركي «البراغماتي» بوجه عام، والذي يغلّب حسابات المصلحة الخاصة على الاعتبارات الحزبية.
وبحسب الصحيفة، فإن النظام الانتخابي الأميركي لا يرحّب بأحزاب أخرى، بالنظر إلى أنّ لدى الولايات ولجنة الانتخابات الاتحادية قواعد ومتطلبات لتسجيل حزب سياسي جديد، وقواعد أخرى خاصة بها غالباً ما تشترط الإقامة فيها وتقديم قوائم تزكية أو تأييد من عدد معين من الناخبين المسجّلين، وهي متطلبات أعاقت تاريخياً العديد من مرشحي الأحزاب الأخرى، تماماً كما جرى خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حين لم يظهر أيّ من مرشحي الأحزاب الآخرين البارزين على بطاقات الاقتراع في جميع الولايات الخمسين.
كما أن من جملة التحديات التي يواجهها ماسك، أن 80% ممن يتبنّون مواقف وسطية في المشهد السياسي الأميركي «لا يشكّلون قاعدة انتخابية متماسكة، ذات موقف موحّد» حول السياسات العامة، على نحو يكفي لتشكيلها حزباً سياسياً، إلى جانب عدم امتلاك ماسك حلفاء أقوياء وقاعدة ناخبة موالية، وهو «أمر لا يمكن شراؤه بالمال».
وعليه، ثمة تشكيك في مدى تمسّك «رجل الأعمال المزاجي» بمشروعه السياسي الجديد، سواء لما يتطلّبه من مال ووقت كبيريْن، أو لوجود احتمالات ضئيلة لنجاحه في وقت قريب، وسط تقديرات بأنّ أقصى طموحات ماسك لا يعدو مناكفة ترامب، ومحاولة دفع الجمهوريين إلى التماهي مع توجهاته، خصوصاً أنه دعم حملات الكثيرين من وجوه حزبهم خلال الانتخابات التشريعية عام 2024.
ان ما ينشر من اخبار ومقالات لا تعبر عن راي الموقع انما عن رأي كاتبها